مدى التوافق بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل اليمني

Wednesday, 18 December 2013

  د.بشرى راوية

   تعبر العلاقة بين الخريجين وأسواق العمل عن العلاقة ما بين مكون العرض (العرض الكلي للقوى العاملة) واحتياجات أسواق العمل منها (أي الطلب عليها)، ومن ثم فإن وجود فائض لهؤلاء الخريجين عن الطلب عليهم يعرف بالبطالة في أوساط الخريجين، ويمكن التعرف عليه من خلال معرفة حجم العرض منهم والطلب عليهم.
وبالتالي فسوف تتناول هذه الورقة توضيح العلاقة بين هذه المخرجات وسوق العمل اليمني .

فبحسب البيانات الرسمية بلغ إجمالي خريجي الجامعات اليمنية (حكومية وأهلية) 34,609 طالباً وطالبة للعام الجامعي 2012/2011، منهم 20,974 في التخصصات الإنسانية و 13,635 في التخصصات التطبيقية، وهذاعكس مدى الإقبال على هذا النوع من الكليات، وبشكل خاص كليات التربية والآداب، أي أنهم في تزايد مستمر وبكميات كبيرة تفوق حاجة سوق العمل، وذلك نظراً لتدني فرص التوظيف لمثل هذه التخصصات التي أصبح سوق العمل مشبعاً بها، مما ينتج عنه وجود بطالة سافرة لخريجي تلك الكليات.

          ومن الواضح أن هناك انحياز كبير للكليات الإنسانية على حساب الكليات التطبيقية ويرجع ذلك لاتجاه الطلاب خلال هذه الفترة بشكل كبير للكليات النظرية، ولعدم الحصول على  وظائف مناسبة  – هذا إن وجدت – نظراً لتدخل عوامل الوساطة والمحسوبية، ولعدم وجود تأهيل جيد، يضاف لذلك تدني المستوى التعليمي في المجالات التطبيقية وغياب المعامل والتجهيزات للجوانب العلمية والتي تعمل على تشجيع الالتحاق في هذه المجالات بما يؤمن فرص أفضل في الحصول على الوظائف المناسبة، مما يؤكد سوء التنسيق بين سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي وعدم وجود رؤية واضحة لاحتياجات سوق العمل.

وترى الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر أن الإقبال المتزايد على الجامعات بوجه عام وعلى التخصصات الأدبية والنظرية بشكل خاص، قد أدى إلى تزيد أعداد العاطلين عن العمل من الجامعيين، ويرجع ذلك لمحدودية الفرص المتاحة لهم في الجهاز الإداري للدولة، ولعدم تناسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم مع احتياجات القطاع الخاص، وهذا يعني هدراً كبيراً في رأس المال البشري وطاقاته المنتجة.

جدير بالذكر أن سوق العمل اليمني يعاني من نقص شديد في بعض المهن مثل الطب، والفنون، والمدرسين في التعليم العالي، بينما يتوفر فائض في العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة، حيث بلغت نسبة البطالة – بحسب بيانات كتاب الإحصاء السنوي لعام 2012 حوالي 16.2% من إجمالي قوة العمل, غير أن هذه النسبة لا تتفق مع ما جاء في العديد من الدراسات المحلية والدولية والتي أشارت إلى أنها قد وصلت إلى أكثر من 40% , هذا بالإضافة إلى أن أحد أكثر مشكلات البطالة تعقيداً تتمثل في زيادة حجم العرض من القوى العاملة المتعلمة في ظل محدودية الطلب عليها، والذي يعود لضعف الحراك التنموي للاقتصاد، الناتج عن تأثير سياسة الانكماش المتبعة بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وعدم الاستقرار الاقتصادي بشكل عام.

 يضاف لذلك ما توصلت إليه العديد من الدراسات والبحوث والتي أثبتت أن نظام التعليم الجامعي في اليمن بتخصصاته المختلفة غير قادر على الوفاء باحتياجات سوق العمل من المهن والمهارات والتخصصات المختلفة، نظراً لعدد من العوامل التي تكمن في:

  • عدم توزيع الطلاب بين التخصصات حسب متطلبات السوق. فنجد أن الكثير من الطلاب يخـتارون تخصصــاتهم دون دراســـة مسـبقة لمتطلبات ســوق العـمل، وغالباً ما  يتكرر الطلب على تخصصات معينه لا تتفق مع ميولهم ولا مع مهاراتهم ومؤهلاتهم.
  • عدم إشراك قطاع الأعمال في تحديد سياسة القبول وتطوير المناهج حسب حاجة سوق العمل.

وعدم تعاون جهات تخطيط القوى العاملة بالشكل المطلوب.

وتشـير التقارير الوطنية اليمنية إلى التوسع الهائل للتعليم العالي في اليمن مع التركيز الشديد على العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب هي:

  • الطلب الاجتماعي المفرط للتعليم العالي.
  • ضعف التخطيط لسياسات القبول في التعليم العالي.
  • أن ما يتلقاه الطلاب في المدارس الثانوية لا يؤثر على اختياراتهم للعلوم الإنسانية لأن التخصصات الإنسانية تقبل خريجي التعليم الثانوي قسم علمي وأن كانت معدلاتهم أدنى من معدلات خريجي القسم الأدبي.

 ومن هنا نستنتج أن الخريجين لا يكونون في المستوى المطلوب لسوق العمل، بل أقل من المستوى المطلوب، وعليه فمن المهم التركيز على تقسيم هذه التخصصات في سوق العمل, وبالتالي فلابد أن تأخذ سياسة التعليم العالي في حساباتها هذا النوع من عدم التوافق بين مخرجات التعليم والطلب على العمل. فتعمل هذه على تحسين وتطوير التعليم والتدريب وبما يؤثر إيجابا على التوظيف وتعزيز المنافسة في الاقتصاد الوطني.

أخيراً فإن هناك عدد من المقترحات لضمان ارتباط مخرجات التعليم العالي باحتياجات سوق العمل ثلاثة خطوات إجرائية رئيسية يتعين القيام بها:

الخطوة الأولى: مراجعة وتقويم المناهج والبرامج التعليمية التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي.

الخطوة الثانية: دراسة وتحليل التطورات والتغيرات التي طرأت على أسواق العمل اليمنية ومدى قدرتها  على استيعاب مخرجات التعليم العالي.

الخطوة الثالثة: ترشيد مخرجات التعليم العالي، بحيث تمثل الأساس الذي ترتكز عليه نشاطات وبرامج مؤسسات التعليم الجامعي.

 ومن خلال ما سبق نجد انه يوجد عدم توافق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل وإن كانت هذه المشكلة مشتركة مع الكثير من الدول النامية بشكل عام. إلا أنها في اليمن تمثل أهمية خاصة، نظراً لتوسع النظام التعليمي في أعلى مراحله، وزيادة نصيب الإناث فيه مع انخفاض معدل مساهمتهن في سوق العمل، هذا بالإضافة لهيكل الدراسات الجامعة والذي يميل باتجاه الدراسات الإنسانية والاجتماعية والتربوية على وجه الخصوص وعليه فلابد أن تولي جميع الجهات المختصة هذه المشكلة أولوية في البحث والتحليل بغرض الوصول للحلو المناسبة.

نزل المقال من هنا

TOP