الجينوم البشري
د.نديم علي اسماعيل
منذ 26 يونيو عام 2000م بدأ التنافس والسباق المحموم للمراكز العلمية وشركات التقنية الحيوية والهندسة الوراثية على المستوى العالمي لاستخدام مخرجات الجينوم البشري لتشخيص الأمراض الوراثية, والبحث عن عقاقير تعمل على مستوى المورثات وتركيبها.
و بدأت المراكز العلمية المتخصصة محاولة معرفة وظيفة كل مورث والبروتين القائم على تشفيره في الانسان باستبداله بشبيهه في كائن آخر, ومن ذلك التوصل الى حلول للأمراض الوراثية التي استسلم لها الجنس البشرى منذ الأزل. ويراود طموح العلماء في هذا المجال أمل الإجابة على الكثير من الأسئلة المحيرة التي استعصت على عقولهم عقودا من الزمن.
خلق الله الانسان من نطفة فقد قال الله تعالى ( إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا )
وفي آية أخرى ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
والنطفة ثلاثة أنواع : الأول نطفة مؤنثة وهي البويضة (Ovum) المبيض في المرأة مرة واحدة كل شهر, والثاني نطفة مذكرة وهي الحيوانات المنوية (sperms) في الرجل، الثالث نطفة أمشاج (Zygote) وهي النطفة المختلطة من الحيوان المنوي الذي لقح البويضة, وهنا تتكاثر النطفة الأمشاج أو الخلية الأم وتنقسم إلى خليتين متماثلتين يقومان بالتكاثر فيصبحان أربع خلايا فثمانية , فستة عشر و هكذا. حتى تتحول الى مضغة غير مخلقة , أي كتلة من الخلايا البشرية.
وعن طريق الخريطة المحفوظة على شريط الحامض النووي تصدر الأوامر إلى هذه الخلايا لتتشكل و تتجمع تبعا لوظائفهما لتكون جنينا كاملا – فتبارك الله احسن الخالقين. لكن يجب أن يتضاعف الحمض النووي في داخل الخلية المشيج أولا قبل أن تتضاعف الخلية ومن المعلوم ان الحمض النووي يوجد في أنوية جميع الخلايا باستثناء كرات الدم الحمراء حيث لا يوجد فيها نواه.
يعد الجينوم وثيقة جبارة كتبها الله تعالى في الكائن الحي ,يضاف اليها باستمرار وتحمي وتعدل كتابتها لبلايين السنين , ويخفي الله تعالى سر ابداعه في الجينوم .
فكل مورث معقد التركيب , أِذ يتكون من مناطق فعالة تسمى أِكسونات (Exons)(تشفر البروتينات) تتخللها مناطق غير فعالة تسمى انترونات (Intrans)(لا تشفر البروتينات) تتكرر وتطول بطرق غريبة تؤثر على قطع المورث الفعالة .
يختلف حجم الجينوم في الكائنات الحية المختلفة , فمثلاَ كل جينوم بشري يحتوي على 3.2 بليون قاعدة (نيوكليوتيدة) , وفي بعض الأسماك يبلغ حجم الجينوم 130 بليون قاعدة, تحتوي كل نسخة من الجينوم على الآلاف من المورثات .
توجد فوارق بسيطة بين مورثات الأم والأب فيما يتعلق بلون العين , والبشرة , والشعر, والطول وغير ذلك.
وأن 97% من الجينوم يتألف من أجزاء غير مشفرة تتفاوت أطوالها فقد تكون طويلة أو قصيرة , وقطع وراثية متنقلة (قافزة)(Transposons) من مكان الى آخر على مورثات الصبغي, أو ترسل نسخا منها إلى المواقع الجديدة أو تهبط وسط المورثات العاملة فتغير نشاطها.
الجدير بالذكر أن القطع الوراثية القافزة تم اكتشافها بواسطة العالمة (بربارا ماكلينتوك) في الاربعينيات من القرن الماضي, حيث كان عملها منصبَاً على حبوب الذرة , فلاحظت تغيرات في اللون نتيجة التشوهات التي سببتها المورثات القافزة. أما في الأنسان فقد سبَبت هذه المورثات مرض نزيف الدم أو الهيموفيليا لهبوطها على المورثات التي تشفر عامل التخثر وغيرها.
يعطي الأب اثناء عملية التزاوج نسخة واحدة من الجينوم وكذلك الأم , ولكن قطعاً متماثلة من الصبغات الأبوية والأنثوية تتبادل فيما بينها (عملية العبور الوراثي) قبل أن تصبح صبغات جديدة (متحدة) , أي أن بعض المورثات الأبوية مثلاً الموجودة في صبغات أبوية معينة يذهب إلى مماثلة في الأم والقطعة المماثلة في صبغي الأم تذهب إلى صبغي الأب.
مشروع الجينوم البشري
ظلت وزارة الطاقة الأمريكية (DOE) والهيئات الحكومية التابعة لها مسؤولة, ولمدة تقارب الخمسين سنة عن البحث بعمق عن الأخطار المحتملة على صحة الانسان نتيجة لاستخدام الطاقة والتقنيات المولدة لها مع التركيز بصورة خاصة على الإشعاع الذري على البشر الذي نتج عن الأبحاث التي دعمتها هذه الوكالات الحكومية , خاصةً فيما يتعلق بالدراسات طويلة المدى التي أجريت على الناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي (هيروشيما) و (نجازاكي) اليابانيتين أثناء الحرب العالمية الثانية , بالإضافة إلى العديد من الدراسات التجريبية التي أجريت على الحيوانات.
في عام 1984م , وفي اجتماع مشترك بين وزارة الطاقة الأمريكية واللجنة الدولية للوقاية من المطفرات (Mutagens) والمسرطنات(Carcinogens) البيئية , طرح لأول مرة سؤال حول امكانية تسلسل (Sequence) الجينوم البشري ؟ وهل يمكن تطوير تقنية تجعل من الممكن الحصول على نسخة دقيقة (كلمة بكلمة) للمخطوطة الوراثية الكاملة للإنسان ؛ وبالتالي التوصل إلى مفتاح اكتشاف التأثيرات المطفرة الخادعة للإشعاع , وللسموم المسببة للسرطان .
وعليه شهد عام 1985م , التجهيز لمشروع الجينوم البشري بخطى بطيئة بمشاركة علماء ثمانية عشرة دولة من دول العالم , منها أمريكا , وكندا , وروسيا , واليابان , وبريطانيا , وفرنسا , وايطاليا , والمانيا , وهولندا , والدنمارك , والسويد , والصين .ولكن مع الأسف لم تشترك أي دولة عربية في هذا المشروع .
وقد تعهدت أمريكا بإتمام المشروع , كما تكفلت بالقدر الأعظم من التكاليف , حيث قام المركز القومي لأبحاث الجينوم البشري (NHGRI), والمعهد القومي الصحي (NH) وهيئة الطاقة(DOE) بالإشراف على المشروع , وفي سبتمبر عام 1988م ,عقد في سويسرا أول اجتماع بشكل رسمي للمجلس التأسيسي لمنظمة الجينوم البشري(HUGO) , وذلك للمساعدة في تنسيق بحوث الجينوم البشري دولياً ,وتعزيز تبادل المعلومات والتقنية , وتشجيع الدراسات الجينومية على كائنات أخرى غير الأنسان ,مما شكل منظمة أمم متحدة للجينوم البشري.
وفي أكتوبر عام 1990م , بدأ هذا المشروع رسمياً وخطط له ان ينتهي في عام 2005م .
لكن دعم المشروع مالياً وتقنياً وكذلك المشاركة الفعالة من عدة دول جعل له اثراً كبيراً في التنافس ممَا سرع في خطواته وأدى الى اكتماله والانتهاء منه ونشره كأطلس وراثي للخصائص والصفات البشرية في مساء 26 يونيو من عام 2000م .
أهداف المشروع
تتلخص أهداف المشروع فيما يلي:
– التعرف على المورثات في الانسان.
– تحديد تسلسل النيوكليوتيدات المكونة للمورثات .
– تخزين المعلومات في قاعدة بيانات (Database).
– تحليل المعلومات والبيانات.
– تطوير الأدوات اللازمة لتحليل البيانات .
– تحويل التقنيات المستخدمة الى القطاع الخاص للاستفادة منها .
– متابعة الاصدارات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للمشروع(وهي من الخصائص التي تميز مشروع الجينوم البشري الأمريكي عن غيره من المشاريع المشابهة في جميع انحاء العالم ).
ولكي يتمكن العلماء من تحقيق الأهداف السابقة فقد اقترحوا ونفذوا رسم خرائط وراثية لخمسة نماذج هي: بكتيريا القولون (E.coli) , وفطر الخميرة (Saacharomyces cerevisiase ) , وذبابة الفاكهة (Drosophila melanogester) , ودودة الربداء الشيقة (Caenorhabditis elegans ) , والفأر (Mus musculus ) .واضعين في الاعتبار أن هذه الدراسات المقارنة ستمكن العلماء من الوصول إلى معلومات مهمة عن تطور الكائنات الحية , والعمليات الحيوية الكيميائية والوراثية والوظائف الفسيولوجية .
كذلك طور العلماء أهدافهم المرحلية في وقت لاحق , وأضافوا هدفاً جديداً وهو التعرف على الاختلافات الفردية في الجينوم بين شخص وآخر , حيث اكتشفوا أنه رغم أن أكثر من 99% من الحمض النووي في الانسان متشابهة في كل البشر فأِن التغيرات الفردية قد تؤثر بشكل كبير على تقبل الفرد للمورثات البيئية الضارة , مثل : البكتيريا , والفيروسات , والسموم , والمواد الكيميائية , والأدوية والعلاجات المختلفة , كما طور العلماء العاملون في هذا المشروع وسائلهم لاكتشاف هذه الاختلافات , فوجدوا أن اكثر هذه الاختلافات شيوعاً هو ما يسمى بالاختلاف النيوكليوتيدي الفردي (اختلاف في نيوكليوتيدة واحدة في مكان محدد على المورث ) ( Single nucleotide polymorphisms SPSs) .وتكرر هذا الاختلاف مرة واحدة تقريباً كل (100- 300) قاعدة نيتروجينية .
يعتقد العلماء أن رسم الخريطة الوراثية ستساعدهم على التعرف في المورثات المختصة بالأمراض المختلفة , مثل :السرطان , والسكر , وأمراض الأوعية الدموية , والأمراض العقلية , وقد قام العلماء – للتعرف على وظائف المورثات المختلفة للإنسان- بمحاولة تحضير نسخ كاملة من الحمض النووي الدنا المكمل(cDNA) (باستخدام الرنا المراسل كقالب في وجود انزيم النسخ العكسي الذي يحول الرنا المراسل الى الدنا المكمل ) , وكذلك دراسة الطرق التي تتحكم بعمل المورث وكيفية عمله .
اهتم المشروع بتأثير الطفرات المختلفة على عمل المورثات عن طريق استحداث الطفرات المختلفة التي تؤدي الى فقد أو تغير الوظيفة على الحيوانات المختلفة داخل المعامل العملية . كما اهتم المشروع بدراسة أوجه التشابه في تركيبة الحمض النووي بين الأحياء المختلفة.
طريقة الدراسة
قام الفريق الحكومي باستعمال خلايا الدم والنطاف ,حيث جمع عينات من الذكور (الحيوانات المنوية) والاناث (دم) من افراد مختلفة من العاملين في القطاع الحكومي وبعض المتطوعين من عدة دول ,ومن ثم فصلوا كل صبغي من عدد 24 صبغياً (22 صبغياً جسدياً بالإضافة الى الصبغيين الجنسيين X,Y) ثم اخذ العلماء قطعاً صغيرةً من دنا كل صبغي من الصبغيات , وعينوا تسلسل قواعد الدنا في كل كِسرةٍ من الكِسر , وقاموا -اخيراً- بمقارنة وربط تسلسل هذه الأسس في نهايتي كل جزء من أجزاء الصبغي الواحد ؛ وبالتالي تم تدريجيا وببراعة سلسلة القطع المختلفة لكل مورث من المورثات , ثم سلسلة المورثات لكل صبغي بكامله .
أما المشروع الخاص فقد بدأته شركة ( سيليرا ) حيث سلكت طريقاً أقصر ,وذلك بتمزيق المجموعة الصبغية كلها دفعة كاملة ؛ وكذلك تقطيع المورثات كلها وفي آن واحد الى شدف (قطع) , ثم الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر (الحاسوب) لبناء الجينوم بكامله بدءاً من تلك الشدف .
وكما يقول (كلمان) مدير تخطيط السياسات في شركة سيليرا : “تم التركيز على القدرة الحاسوبية باستعمال خوارزميات لسَلسَلة البيانات (المعطيات) , فالميزة هنا ذات شقين الفعالية والسرعة”.
ومن اهم التطبيقات لهذا المشروع ما يلي :
1- تحديد وظائف بعض المورثات مثل :-
– مورث البصمة
– مورث فصائل الدم
– مورث تكوين الأنسولين
– مورث تكوين الهيموجلوبين في الدم
2- تطوير ادوية ومعالجات جديدة مثل :-
– معرفة المورثات المسببة للأمراض الوراثية الشائعة والنادرة .
– معرفة المورثات المسببة لعجز الاعضاء عن أداء وظائف الجسم .
– صناعة العقاقير.
– الوصول لعقاقير بلا آثار جانبية .
– تطوير عقاقير ومعالجات جديدة .
– دراسة تطور الكائنات الحية من خلال مقارنتها بالجينوم البشري .
– تحسين النسل من خلال التعرف على المورثات المرضية في الجنين قبل ولادته .
3-الطب الجزيئي ويشمل :-
– تحسين تشخيص الامراض.
– الاكتشاف المبكر للاستعداد للإصابة بالأمراض الوراثية .
– معالجة المورثات وانظمة التحكم للأدوية.
– علم الادوية الجيني , تصميم ادوية تستهدف امراض وراثية بعينها .
4-الجينوميات الجرثومية وتشمل :-
– مصادر جديدة للطاقة (الوقود الحيوي).
– مراقبة البيئة لاكتشاف الملوثات .
– الوقاية من الحرب البيولوجية والكيميائية .التخلص من النفايات السامة بطرق مأمونة وفعالة في الوقت نفسه .
– فهم القابلية للتعرض للأمراض.
– الكشف عن الاهداف الحيوية التي يجب أن تستهدفها الادوية الجديدة .
– تقييم التلف الصحي والمخاطر الناتجة عن التعرض للإشعاع .
– تقييم التلف الصحي والمخاطر الناتجة عن التعرض للكيميائيات المطفرة والسموم المسببة للسرطان .
– تقليل احتمالية التعرض للطفرات الوراثية .
5- الدراسات السكانية والانثروبولوجية مثل :-
– التطور في السلالات البشرية المختلفة .
– انماط هجرة المجموعات السكانية المختلفة استناداً على التوريث الوراثي للإناث .
– طفرات الصبغي (Y)لتتبع السلالات وأنماط هجرة الذكور.
6- الطب الشرعي ويشمل :–
– التعرف على المشتبه بهم المحتملين التي قد يطابق الدنا الخاص بهم الأدلة الموجودة في مسرح الجريمة.
– تبرئة الأشخاص المتهمين بالخطأ في الجرائم .
– التحقق من علاقات البنوة وغيرها من قضايا النسب .
– تحقيق التوافق النسيجي بين المتبرع والمتلقي في برامج زراعة الأعضاء .
7- الزراعة , وتربية الحيوان ,والمعالجة البيولوجية .
تطبيقات مستقبلية
من اهم التطبيقات المستقبلية للجينوم البشري
– السرطان
كان من أهم مخرجات مشروع الجينوم البشري التركيز على التحولات التي تسهم في الإصابة بالسرطان مما يقود في نهاية المطاف الى تحقق أفضل الاساليب لعلاج السرطان.
– الجينومات الدوائية
بوسع العلماء حاليا أن يتصوروا ما سيكون عليه حال صناعة الدواء في المستقبل القريب.
Search
News
رئيس جامعة الناصر يشارك في اجتماعات مجلس اتحاد مجالس البحث العلمي العربية ببغداد
شارك الأستاذ الدكتور عبد الله حسين طاهش أمين ال...كادر جامعة الناصر يشارك في المسير الشعبي لقوات التعبئة العامة
شارك كادر جامعة الناصر صباح يوم الخميس، في المس...رئيس الجامعة يجري زيارة تفقدية للقاعات الدراسية للاطلاع على سير العملية التعليمية.
اجرى رئيس جامعة الناصر الاستاذ الدكتور عبدالله ...جامعة الناصر تنظم وقفة تضامنية بعنوان ” ثابتون مع غزة.. ومستمرون في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي”
نظمت جامعة الناصر صباح اليوم الاربعاء الموافق 1...فريق كلية العلوم الادارية بطلاً للدوري الداخلي لكرة القدم بجامعة الناصر
تُوج فريق كلية العلوم الادارية والمالية بجامعة ...