العمل المؤسسي ونجاح المشاريع

Tuesday, 27 January 2015

د.سامي الشرعبي

الزملاء والزميلات في مختلف المؤسسات الصحية من مستشفيات, ومستوصفات, ومراكز طبية, وتشخيصية, ومختبرات, وصيدليات, ومراكز أشعة .. لن نختلف كثيرا في التعبير عن وضع المؤسسية في مؤسساتنا . فالغالب على مؤسساتنا الحكومية منها والخاصة , الصغيرة والكبيرة, الفردية والمساهمة. حتى وإن بدا  ظاهر بعضها أنها معتمدة على العمل المؤسسي، ولكنها في مضمونها وحقيقتها تقوم معظمها – في كثير من الأحيان – على الفرد وحده مع الأسف سواءا كان هذا الفرد مالكا أو رئيسا لمجلس الإدارة أو مديرا أو غيره , فتجد المؤسسة مرهونة بوجوده , متمحورة حوله , فكل عمل يحتاج لإشرافه , وكل ورقة تنتظر توقيعه , حتى يقال لولا فلان لما كانت المؤسسة , فنظام المؤسسة نظامه , وسياساتها سياساته , ولو شاء لقال ولصدق أنا المؤسسة والمؤسسة أنا , تبقى المؤسسة ببقائه وتنشط عند نشاطه وتذبل عند كسله أو إنشغاله وتنهار بإبتعاده عنها أو غيابه.

ومع أن هناك نماذج ناجحة من هذه المؤسسات نتيجة للخبرة الكبيرة والقيادة الحكيمة لبعض هؤلاء الأفراد . إلا أن النجاح سيكون مضاعفا لهذه المؤسسات لو أنها قبلت بالعمل المؤسسي ككل لا يتجزأ ولايقبل الإستثناء في كل سياساتها وإجراءاتها ولهذا لن نجد هذا الواقع في مؤسسات العالم الغربي , حيث تجد المؤسسات قائمة بحجم قدرات ومواهب كل موظفيها , لا تهتز بتغير رئيسها لأن لها أهدافها وسياساتها الخاصة بها.

ويعتبر العمل المؤسسي أحد القيم الوظيفية الأساسية التي ينبغي مراعاتها، وهو يمثل إحدى الوسائل بالغة الأهمية التي توصلت إليها البشرية لتنظيم العمل، بما يحقق أكبر عائد ممكن منه.

ويقصد بالعمل المؤسسي: «كل تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة أو صغيرة، وفرق عمل، وإدارات متخصصة؛ بحسب موضوعها: فنية أو علمية أو دعوية واجتماعية، بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرارات، في دائرة اختصاصاتها.

إن العمل المؤسسي ذو أهمية بالغة؛ لأنه ينقل العمل من الفردية إلى الجماعية, ومن العفوية إلى التخطيط, ومن الغموض إلى الوضوح, ومن محدودية الموارد إلى تعددية الموارد, ومن التأثير المحدود إلى التأثير الواسع.

وأحد أهم علامات العمل المؤسسي هو وجود استراتيجيات عمل للمؤسسة تضمن من خلالها سير المنظمة بشكل منتظم ومستمر على المدى الطويل.

فما كان يعرف في السابق بعقلية العمل الفردي، والمتابعة المستمرة للموظفين، وضياع مصادر الإنتاج، والتردد في اتخاذ القرار، مع النمو البطيء للمؤسسة، هي أساس اختيار القيادة التنفيذية الحديثة للعمل الاستراتيجي الرائد.

والعمل المؤسسي بهذا المعنى يتسم بمزايا عديدة عن العمل غير المؤسسي، ومن أبرزها:

1)    الاستمرارية: ففي الغالب تكون المؤسسات أطول عمرا من الأفراد، إلى الحد الذي قد تستمر فيه المؤسسات الناجحة مئات السنين.

2)    الجماعية: فالمؤسسة تعتمد على مبدأ التعاون بين أفرادها، بما يجعلها أكثر قدرة على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، على عكس الفردانية (أو الشخصانية) التي يتسم بها العمل غير المؤسسي.

3)    الموضوعية: حيث تبتعد المؤسسة عن الشخصنة والذاتية التي تجعل العمل معتمدا على فرد واحد، تتمحور فيه الأفكار والقيم، وتنتهي بوفاته أو تخليه عن العمل، فتعتمد المؤسسة على الفكرة المجردة التي تتميز عن الأفراد ولا تتوقف عليهم وحدهم.

4)    التكاملية: فالعمل المؤسسي – نتيجة جماعيته – يتحقق فيه التكامل بين أفراده، كل بتخصصه وقدراته، فلا تتبعثر الجهود ويذهب ريحها، بل يرعاها العمل المؤسسي ويوحّدها.

5)    التراكمية: استمرارية المؤسسة تشكل خبرات متراكمة تستفيد منها الأجيال، على عكس العمل الفردي غير المؤسسي الذي يعتمد في الغالب على فرد، فيموت بموته.

6)    الشورية: فالعمل المؤسسي لابد أن يعتمد على المشاركة في اتخاذ القرارات، وهذا هو عين الشورى التي أمر الله – سبحانه – نبيه بها، ومن ثم المسلمين جميعا في قوله تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آل عمران: من الآية 159)، وكذلك في قوله سبحانه: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى: من الآية 38).

7)    عموم النفع: فلا شك أن المؤسسة يعم نفعها أكثر من العمل الفردي، أياً كانت قدرات الفرد، نظرا لقدرة المؤسسة على إدارة العمل وتنظيمه على نحو يصل بها إلى تحقيق أهدافها واستثمار جهود العاملين فيها، بما ينعكس على تحقيق مصلحة المجتمع.

هذه هي بعض المزايا التي يتسم بها العمل المؤسسي، والتي تجعل منه قيمة وظيفية في حد ذاته، يتعيّن علينا أن نلتزم بها في مؤسساتنا حقيقة وليس مجازا. نلتقي معكم بإذن الله في العدد القادم لنتعرف أكثر على العمل المؤسسي وعناصره ودورة حياة المؤسسات . آملين أن نكون من ضمن أسباب نجاحكم أيها الناجحون .

نزل المقال من هنا

TOP