النانوتكنولوجي حاضر مزدهر و مستقبل واعد

Saturday, 17 May 2014

د.ناجي أحمد الحاج

عند الحديث عن تقنية النانوتكنلوجي لهذا الجزء فسنحاول ان نعطي تغطية بسيطة عن هذه التقنية والتي أصبحت في عصرنا الحاضر ميدان سباق للدول المتقدمة للاستفادة من تطبيقاتها الكبيرة في جميع المجالات الحياتية في الطب والهندسة وعلوم الحاسوب وفي الزراعة والصناعات الغذائية والمستحضرات الطبية وغيرها.

 ولذلك يبقي السؤال ماهي تقنيات النانو وتطبيقاتها ؟

وحتي نجيب علي هذا التساؤل يجب ان نعرف كيف بدأت هذه الظاهرة والتي تتغلب الآن علي تقنيات البيولوجيا الجزيئية حيث يسمي هذا العصر بعصر النانو.

وطبعا قبل الولوج في مقدمة هذا المقال أريد أن أذكر القارئ العزيز إني عملت في مجال تقنية النانو لأكثر من عامين في برنامج الزمالة من جامعة بوترا الماليزية والتي عملت فيها كباحث في استخدام تقنيات النانو لعلاج سرطان الثدي وغيرها  حيث سنغطي في المقالات القادمة بإذن الله تعالي عن التطبيقات في المجالات الطبية والصيدلانية  ومجالات التشخيص باعتبار هذه هي المجالات التي تهمنا اكثر لقربها من تخصصاتنا الطبية.

 تعرف الجزيئات متناهية الصغر (Nanotechnology) ، والتي يطلق عليها النانو ، تعتبر في الوقت الراهن ذات أهمية خاصة نظراً للتطورات السريعة والتي طرأت في مختلف دول العالم نتيجة للبحث والتقصي والابتكار والاختراع في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية في التقنية الحيوية (Biotechnology) ، وقد يظن البعض أن هذه التقنية حديثة العهد ،  فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة عام (1959م) بواسطة العالم (R.Feynema) والتي وصفها بكونها الأجسام البنائية ، أيضا فإن للعالم (W.Mclellen,1960) الدور البارز في إلقاء الضوء على هذه التقنية ، حيث استطاع تصميم محرك بروتيني يتشابه مع الموجود في معظم الكائنات الحية حيث أنه المسؤول عن تحويل الطاقة إلى حركة حيث يبلغ قطره (500 نانومتر) ، ثم في (1974م) أطلقها العالم الياباني (N.Taniguchi) وذلك عن طريق وصفه لوسائل وطرق التشغيل للعناصر الميكانيكية والكهربائية متناهية الصغر ، بالإضافة إلى ذلك فإن العالم (K.Eric Drexler,1980) عرفها على أنها مكائن البناء في ميزان الجزيئات بحيث أعطى العديد من الأمثلة لذلك مثل أذرعة الإنسان الآلي وجميع أجزاء الحاسب الآلي ثم أمضى العشر سنوات الأخرى في تعريف وشرح ووصف وتحليل الأدوات فائقة الفعالية واستجابتها العلمية التطبيقية ، ثم تتوالى التجارب والأبحاث ليتم عام (1980م) إختراع المجهر النفقي الماسح (Scanning Tunneling Microscopy) بواسطة تشجيع ودعم شركة (IBM) ، وتتوالى بعدها الدراسات ليتم إكتشاف الفلورين والمتكون من كرة مجوفة تحتوي على ستين ذرة كربون أمكن قياسها بدقة عن طريق تقنية النانو ، ثم في العام (1991م) أستطاع العالم (S.Lijima) إحراز تقدم في إكتشاف أنابيب الكربون ذات القياس النانو متري.

ومع أن أصل الكلمة  مشتق من الإغريقية (Midget) والتي تعني دقيق أو صغير أو قزم ، وعليه يمكن تعريف هذه التقنية متناهية الصغر على أنها وحدة قياس دقيقة ومتناهية الصغر لبادئات العديد من القياسات المختلفة للخلايا الحية والمركبات الكيميائية والقياسات الفيزيائية والإشعاعية والمنتجات التجارية والطبية والزراعية والحيوية والكهربائية وفي مجالات الحاسوب والصناعات العسكرية والسلمية المختلفة كما يظهر في الشكل رقم (2). فعلى سبيل المثال فإن أطول الطرق تقاس بالكيلومترات ويقاس ارتفاع الطائرة بألاف الكيلومترات ، كما أن الاقمشة والورق والسجاد وقطع الخشب تقاس بالأمتار ، في حين تقاس أوراق الأشجار والمصاحف والكتب الصغيرة بالسنتيمترات وتقاس مختلف أنواع السوائل والماء والحليب بالليترات ويوزن الحديد والإسمنت والحصى بالطن ، كما أن خلايا الكائنات الحية الدقيقة (Microorganisms) مثل البكتيريا والفيروسات وبعض الفطريات والطحالب والأوليات وشريط الحامض النووي تقاس بالميكرون (Micron) النانو ميكرون (Nanomicron) ، حيث يبلغ قطر الشعرة الواحدة للإنسان حوالي (8000) نانومتر في حين تبلغ قطر خلية كريات الدم الحمراء الواحدة حوالي (7000) نانومتر ويبلغ جزئ قطر الماء حوالي (0.3) نانومتر (النانو يساوي جزء الألف من الميكرومتر أي جزء من المليون من المليمتر أو واحد على ألف مليون من المتر أو 10-9 من المتر) ، بالمقابل فإن هناك أيضا قياس المصغَر (Micrometer) وهو إدارة لقياس الأبعاد والزوايا الدقيقة والبالغة الصغر.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا للقارئ ، فإنه عند تخفيف السوائل والتربة للتخفيفات العشرية المعروفة فإنه يمكن اعتبار أن القياسات متناهية الصغر تبدأ من التخفيف واحد على المليون ، وفي هذا المجال فإنه يمكن ترتيب حوالي (9) ذرات من عنصر الهيدروجين بجانب بعضها على مقياس نانومتر واحد.

وعند قياس العناصر المعدنية في السوائل والماء ومخلفات الصرف الصحي على سبيل المثال فإن تلك القياس تقاس بالجزء في المليون (PPM) أو جزء في البليون (PPB) ، كما أن المصادر الإشعاعية المختلفة مثل أشعة جاما وبيتا وأشعة إكس والأشعة فوق البنفسجية والأشعة الحمراء وأشعة الليزر تقاس بالريم أو بالملي ريم والميكروريم أو الرونتجن والملي رونتجن والميكرورنتجن أو بالكيوري والملي كيوري والميكروكيوري ، وتلك القياسات السابقة متناهية الدقة وتدخل ضمن تقنية الجزيئات متناهية الصغر (النانو).

وهذه التقنية يمكن اعتبارها عمليا˝ إعادة ترتيب الجزيئات أو الذرات متناهية الصغر وذلك بهدف الاستفادة منه استفادة قصوى في تسريع العمليات الكيموحيوية الفيزيائية والبنائية لصالح الإنسان والنظام البيئي.

وتلك التقنية يطلق عليها في اللغة العربية اختصارا تقنية النانو ، وهي كما أسلفنا ليست تقنية حديثة ولكنها قديمة العهد لازمت الانسان منذ الثورة العلمية مثل اختراع المجاهر الدقيقة ومنها المجهر الإلكتروني ومجهر الحقل المظلم وتقنية الكشف عن العناصر المعدنية الثقيلة بواسطة جهاز طيف الامتصاص الذري (Atomic Absorption Spectrophotometry) بالإضافة إلى تقنيات الليزر ومجاهر قياسات الخلايا والانسجة النباتية والحيوانية الدقيقة.

وللتدليل على أهمية هذه التقنية و ارتباطها بالجوانب المختلفة لأنشطة الإنسان ، فإن هناك العديد من الدراسات التي أوجدت نظرة تخطيطية (Desining Foresight) مع العلوم الأخرى  ، حيث يلاحظ أنه في السنوات الأخيرة اتجهت أنظار العالم للبحث و التقصي عن هذه التقنية الفريدة وخصوصا فيما يتعلق بالاستفادة من تنمية المصادر المستقبلية لتقنية النانو بواسطة المؤسسات الحكومية والأهلية والشركات ومراكز الأبحاث والمعاهد المختلفة.

وعموماً فإن معظم المواد الغذائية عالمياً تحتوي على مواد طبيعية أمكن في الوقت الراهن استنادا إلى هذه التقنية قياسها بالنانومتر منها على سبيل المثال بعض المواد البروتينية والتي يتراوح حجمها بين 1 و 10 نانومتر ، وعليه فإن استخدام تقنية النانو لإعادة ترتيب الجزيئات والذرات أدى إلى نتائج باهرة في مجال الصناعات الغذائية وفي العديد من المنتجات الطبية والصيدلانية ، حيث تم عن ذلك استنباط العديد من المنتجات الغذائية والطبية الدقيقة والبالغة الأهمية في الميزان الغذائي والطبي بالإضافة إلى ذلك فإن شرائح السليكون المستندة على هذه التقنية والمستخدمة للكشف عن التلوث الكيميائي والميكروبي في المنتجات الغذائية والمرشحات الحيوية (Biofilters) متناهية الصغر والمستخدمة في معالجة وتنقية المياه تعد ثورة حديثة ومذهلة من ثورات هذه التقنية.

كما تجب الإشارة هنا إلى الثورة الصناعية الغذائية والتي تمخض عنها إنتاج مغلفات بلاستيكية مخلوطة مع بعض مركبات النانو وذلك لإنتاج تلك الأغلفة ذات القدرة العالية على حفظ المنتجات الغذائية وتحملها للدرجات العالية من الحرارة بالإضافة إلى قدرتها على عدم تسرب السوائل والغازات.

قدمت تلك التقنية أيضاً العديد من الفوائد المختلفة للإنسان وفي مقدمتها الجوانب الصحية ، ومنه على سبيل المثال تقنية النانو في مجال العلاج الطبيعي والكيميائي لأمراض السرطان المختلفة (Human Cancer Therapy) وأيضاً مجالات الكشف عن الطفرات الوراثية (Genetical  Mutants).

ولابد من الإشارة أيضاً في هذا المجال إلى الدور الهام والمميز للباحثين السويسريان (جيرد بينج وهنريك رورهر) ، وذلك عن استنباط جهاز المجهر النفقي الماسح ، واللذان حصلا بموجبه على جائزة نوبل عام (1986م) ، حيث استطاعا من خلاله الحصول على العديد من الصور للجزيئات والذرات مع إمكانية التأثير عليها وتحريكها لتكوين تشكيلات بالقياس النانومتري.

نزل المقال من هنا

TOP