الحمض النووي واستخداماته الجنائية في كشف الجرائم
د.عبدالباري امين
اكتشفت الجمارك الفرنسية بالصدفة، في مطار باريس “أورلي ـ فال دو مارل” حقيبة على الشريط الأوتوماتيكي لنقل الأمتعة، وهي تحمل شحنة من الكوكايين تزن 15 كيلوغراما، في واحدة من أخطر محاولات التهريب للمواد الممنوعة. وقالت صحيفة “لوباريسيان” إن الحقيبة جاءت على متن رحلة قادمة من جزر المارتينيك في البحر الكاريبي، وهي إحدى أقاليم ما وراء البحار التابعة لفرنسا.
وبحسب مصدر تحدث للصحيفة، فقد اكتشفت الحقيبة بالصدفة خلال استلام المسافرين لأمتعتهم من المكان المخصص لذلك. “وقد جرى ذلك في ظروف غير عادية”، بحسب المصدر. وبعد اكتشاف الشحنة، تدخل عناصر من الشرطة تابعين للمكتب الوطني لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وفتحوا تحقيقا حول الحقيبة التي صنفت على أنها “مجهولة المالك”. ولم تعثر الشرطة المتخصصة على صاحب الحقيقة، ولم تكتشف بعد اسمه، ولا كيف جرى تهريب شحنة الكوكايين، التي قدرت قيمتها بعشرات آلاف اليوروات. ولجأت الشرطة إلى محاولة العثور على آثار للحامض النووي DNA من أجل إيجاد خيط يوصلهم إلى شخص أو أشخاص على صلة بتهريب الحقيبة.
لقد أصبحت تقنية الدنا DNA أحد الأدلة الجنائية الرئيسية في علم الطب الجنائي، الذي بات يعتمد على لغة الجينات، وبات جزيء الـ (DNA) كبنك معلومات جينية عن أسلافنا وأصولهم حيث يعطينا هذه المعلومات كمعطيات سهلة وميسرة وبسرعة.
وفي عام 1984 ظهر التقدم في فحص جزيء (DNA) في دماء الأشخاص والتعرف من خلاله على الأفراد.
وتعتبر بصمة (DNA) أداة قوية ودامغة للتعرف من خلالها علي هوية الأشخاص والمجرمين والمشتبه فيهم. فلقد اكتشف علماء الجينات والوراثة أن ثمة مناطق متقطعة في أجزاء الاتصال بكل (دنا). فتوجد في هذه الأجزاء أطوال قصيرة متكررة عدة مرات في الشفرة الوراثية.
كما وجد أن هذه الأجزاء المتكررة والمتقطعة لها بصمة وحيدة لكل شخص أشبه بتفرد بصمات أصابع اليد. إلا أن هذه البصمة (DNA) متطابقة لدي التوائم المتطابقة. وأمكن تصوير هذه البصمة بأشعة أكس ورفعها علي أفلام حساسة.
وتعتبر البصمة (DNA) هي البصمة التي ستتبع في الألفية الثالثة. لأنها أقوي أداة للتعرف من خلالها علي المجرم والكشف عنه من خلال رفع بصمة دناه من آثار دمه في مسرح الجريمة حتي ولو كانت من بقعة دمية متناهية. ثم مضاهاتها بملايين البصمات (DNA)والمخزنة في أجهزة الكومبيوترات الجنائية وفي بنوك (DNA). وأي بصمة (DNA) سيمكن التعرف عليها وعلي صاحبها في ثوان.
تحديد الهوية
لم تعد مصالح الأدلة الجنائية تستكفي ببصمات الأصابع فقط. كما كان ذي قبل. لكنها تستخدم آليات وتقنيات متنوعة تطورت مع تطور العلوم. فتستخدم حاليا بصمات كف اليد أو مفاصل الأصابع أو بصمة العينين والأذنين أو حتى البصمة الصوتية والتحليل الصوتي أو سمات الوجه وآخرها كانت بصمة الدنا.
فنحن فعلا نعيش عصر الأمن من خلال العلم الذي يسعى علماؤه جاهدين لوضع طرق أساليب جديدة ومتنوعة لحمايتك أو حماية ممتلكاتك. وكانت الحماية الأمنية للممتلكات تتمثل في القفل والمفتاح المعدني وهي طريقة عملية للتأمين ضد السرقة إلا لو سرق المفتاح أو قلد. ويوجد الكروت المشفرة التي توضع في القفل الإلكتروني لفتح الأبواب أو استعمالها في ماكينات صرف النقود بالبنوك بعد إدخال الرقم السري ورغم هذا فان اللصوص والإرهابيين يمكنهم اختراق هذه الحماية الإلكترونية.
وفي المطارات والموانئ تتم المراجعة البشرية للجوازات والتدقيق في الصور بها بواسطة رجال الجوازات. لكن علم القياس الحيوي دخل في هذه العملية لتجنب المراجعة البشرية لجوازات السفر أو البطاقات الشخصية لتفادي الأخطاء البشرية. فتوضع البطاقة الشخصية أو الجواز داخل أجهزة إلكترونية للتدقيق فيهما والتعرف علي الأشخاص الحاملين لهما من خلال مقاييس وعلامات دقيقة.
فمثلا ماكينة صرف النقود بالبنوك سوف تتعرف علي شخصيتك قبل الضغط علي زر السحب. والهواتف حاليا تعطيك رقم الطالب وشخصيته. وبعض المصاعد لا تفتح أبوابها إلا بعد التعرف علي الأشخاص من صور وجوههم أو نبرات أصواتهم أو عن طريق وضع بطاقة ذكية مبرمجة.
فالشركات الكبرى توجه أموالها للاستثمار في تطوير وسائل الحماية والوقاية الأمنية عن طريق المقاييس الحيوية. وفي أمريكا تطورت مصلحة الهجرة والأدلة الجنائية في تطوير وسائل التعرف علي المتسللين والمجرمين والإرهابيين وحماية أجهزة الكومبيوترات وشبكات الإنترنت.
والمقاييس الحيوية لا تتطلب علوما جديدة للبحث فيها. وفي كل سجون أمريكا توجد هذه الأجهزة القادرة علي تمييز المساجين من الزائرين للسجون بسهولة وسرعة حتى لو اندسوا بينهم. وفي سجون ايرلندة وإنجلترا توجد هذه الأجهزة في السجون للتعرف علي العاملين بها بعدة طرق.
وفي أمريكا توجد ماكينات صرف النقود تتعرف علي العملاء من خلال بصمات عيونهم والتحقق من القزحية. وهذه التقنية تستخدمها السلطات الجنائية الأمريكية في إدارات تحقيق الشخصية وهوية الأشخاص منذ عام 1980.لأن قزحية العين أشبه ببصمة الأصابع. فلكل شخص له بصمته اليدوية والقزحية. حتى ولو كانت بصمات المواليد. لأن هاتين البصمتين تظلان مع المولود من المهد إلى اللحد ولا تتغيران بالمرض أو الشيخوخة. فيمكن النظر في جهاز التعرف علي القزحية وهو أرخص من جهاز الماسح لشبكية العين. وهذه الأجهزة تركب حاليا في ماكينات صرف النقود بالبنوك. وتقنية التعرف علي قزحية العين استخدمت مؤخرا في الدورة الأوليمبية بسيدنى للتعرف من خلالها علي هوية اللاعبين بها. وبصمة العين لا تطابق في أي عين مع عين شخص آخر. حتى العين اليمني في الشخص الواحد لا تتطابق مع العين اليسرى. وقزحية العين بها 266 خاصية قياسية عكس بصمات الأصابع التي بها 40 خاصية قياسية يمكن التعرف عليها. ويمكن التعرف علي بصمة العينين من خلال كاميرا علي بعد 3 أقدام. وتستخدم في التعرف علي الخيول المشاركة في السباقات باليابان.
والآن تتطور تقنية التعرف علي الأشخاص. فلدى الشرطة أجهزة يمكن التعرف علي هوية الشخص بالشارع وفي ثوان. كما أن هذه الأجهزة تباع في المحلات لتركب علي أبواب العمارات والمصاعد والمباني العامة والخاصة. وفي السيارات توجد هذه الأجهزة فتتعرف علي شخصية صاحبها من رائحة عرقه أو صوته أو نظره. ولو حاول أحد اللصوص قيادتها تفككت السيارة واتصلت الأجهزة بالشرطة. وهذه الأجهزة سوف توضع حول أسوار الحدائق العامة أو الخاصة. فإذا حاول الأطفال الخروج منها أطلقت تحذيراتها الصوتية لتنبيه المشرفين عليها. وتوجد حواسيب لا تعمل إلا بعد أن تتعرف أزرارها علي بصمة صاحبها حيث يوجد جهاز ماسح دقيق أو قارئ دقيق للبصمة ويوضعا في لوحة المفاتيح وهو رخيص ويباع حاليا. وهذه الأجهزة سوف تحقق حماية كبيرة لأجهزة الكومبيوترات بالشركات الكبرى والمؤسسات الأمنية. وهناك مسدسات لا تطلق أعيرتها إلا بعد أن يتعرف زرار الإطلاق علي بصمة صاحبه.
الحمض النووي في كشف الجريمة
ظل البحث الجنائي لسنوات طويلة يعتمد على الطرق التقليدية المختلفة والأدلة الجنائية المتداولة في التحقيقات للكشف عن غموض الجرائم والحوادث بأنواعها وعمليات الثأر والأعمال الإرهابية التي قد يتأذى من نتيجتها أناس ليس لهم علاقة بالموضوع إلى جانب الأشخاص المستهدفين. ومن أبرز الأدلة بصمات الأصابع التي ظلت حتى عهد قريب أكثر الأدلة الجنائية مساهمة ودقة في كشف وتحديد شخصيات مرتكبي الأعمال الإجرامية والضحايا في حالات التشوه الشديد، ثم تأتي بعد ذلك زمرة الدم وتركيبه الكيميائي والشعر والجلد والخلايا والبقايا التي يخلفها الفاعل على مسرح الجريمة أو على جسد الضحية وآثار الأسلحة وأدوات الجريمة المستخدمة وبقاياها مثل الطلقات والظروف الفارغة وما إلى ذلك.
وبالرغم من أن الطب الشرعي والأدلة الجنائية توصلت إلى اكتشاف مرتكبي جرائم كبرى وعمليات سطو وتهريب خطيرة وفككت عصابات مارست كل أشكال الجريمة والتخريب التي تهدد بتدمير المجتمع، وسجلت بذلك انتصارات هامة وكبيرة على عالم الجريمة، إلا أن الاكتشاف الأهم كان على يد عالم الوراثة الدكتور إليك جيفري عام 1984م الذي كشف عن التسلسل العجيب للقواعد النيتروجينية المكونة لجزيئ الحمض النووي D N A الذي عرف أيضا بالبصمة الوراثية كما يطلق عليه المطبعة الكونية العجيبة لأنه عند انقسام الخلايا البشرية وتكاثرها بسرعة كبيرة مطلوب من الحمض النووي أن يتكاثر أيضا ويعطي صورا طبق الأصل له بها كل المعلومات التي يحملها لنقلها إلى الخلايا الجديدة. لذلك صار الدليل الأوحد للكشف عن هوية الأشخاص بدقة متناهية سواء كانوا من المجرمين أو الضحايا في الأعمال الجنائية، وللتأكد من صحة نسب الأبناء في قضايا الفصل في تنازع البنوة في حالات إنكار الشخص أبوته لطفل غير شرعي نتيجة الاغتصاب أو الزنا، أو ادعاء امرأة بأن طفلا لها يخص شخصا معينا لإجباره على الزواج منها، او طمعاً في ميراث، وفي قضايا تبادل المواليد في المستشفيات خطأ أو عمداً، ومهمة الطب الشرعي تحديد النتائج الصحيحة والأشخاص الحقيقيين في مختلف هذه القضايا لأن كل أسرار الخلية والإنسان توضع على هذا الحمض الضئيل الحجم فهو مسؤول عن نقل الصفات الوراثية المبرمجة عليه عبر الأجيال بكل أمانة محققا التفرد والتميز لكل جنس من الأجناس البشرية، بل وكل إنسان على حدة ببصمته الخاصة التي لا تتشابه أبدا مع أي إنسان آخر، ذلك أن الحمض النووي يوجد في أنوية الخلايا في صورة كروموزومات مشكلا وحدة البناء الأساس لها، والمعلومات أو الصفات الوراثية الخاصة بكل كائن حي مستقرة على جزيئ الحمض بصورة شفرية مبرمجة ومقدرة منذ بداية تكوين كل كائن حي
وتحتوي الأنوية على 23 زوجا من الكروموزومات منها 22 زوجا متماثلة في الذكر والأنثى، وزوج واحد يسمى الكروموزوم الجنسي يختلف في الذكر حيث يرمز له بالحرفين X Y عن الأنثى ويرمز له بالحرفين X X
وتشير المعلومات التحليلية إلى أن سيطرة الحمض النووي على نشاط الخلية تخلق آلية معينة لإبلاغ أوامره إلى أي جزء من الخلية دون أن يتحرك من مكانه، فيقوم بصنع حمض نووي آخر يسمى الحمض النووي الرايبوزي يرمز له بالحروف RNA ينقل إليه المعلومات الوراثية بالترتيب والتسلسل كما هي عليه ليبلغها إلى الخلية لتقوم بنشاطها منذ تكوين الجنين فتحدد الصفات الوراثية لهذا الإنسان، بصماته وفصيلة دمه ونوع أنزيماته ولون بشرته وعينية… إلخ يتميز الحمض النووي (البصمة الوراثية) بأنه دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة مائة بالمائة إذا تم تحليل الحمض بطريقة سليمة، حيث إن احتمال التشابه بين البشر في الحمض النووي غير وارد بعكس فصائل الدم التي تعتبر وسيلة نفي فقط لاحتمال التشابه بين البشر في هذه الفصائل، ويمكن أخذ البصمة من أي مخلفات آدمية سائلة (دم، لعاب، مني) أو أنسجة (لحم، عظم، جلد، شعر) وهذه الميزة تغني عن عدم وجود آثار لبصمات الأصابع للمجرمين في مسرح الجريمة، وهو يقاوم عوامل التحلل والتعفن والعوامل المناخية المختلفة من حرارة وبرودة ورطوبة وجفاف لفترات طويلة، حتى إنه يمكن الحصول على البصمة من الآثار القديمة والحديثة، ويذكر هنا أن المعلومات التي تم الحصول عليها عن إنسان النايندال الذي وجدت جثته محفوظة في الثلج منذ حوالي تسعة آلاف سنة جاءت عن طريق تحليل البصمة الوراثية في الحمض النووي.
ومن الميزات الهامة أن بصمة الحمض النووي تظهر على شكل خطوط عرضية تسهل قراءتها والتعرف عليها وحفظها وتخزينها في الحاسب الآلي للمقارنة عند الحاجة إلى ذلك بعكس بصمات الأصابع التي لا يمكن حفظها في الحاسب لفترات طويلة. ومن هذا المنطلق ومن أجل توفير ملفات أمنية متكاملة تتيح الحصول على المعلومات في مختلف الأوقات وحل تعقيدات الجرائم التي تحدث بدأت العديد من الدول في إنشاء بنوك لقواعد معلومات تستند على الحمض النووي كأساس للتعريف لجميع مواطنيها، مع إنشاء قسم خاص في البنك للمشتبه بهم في مختلف القضايا ليكون دليلا للعودة إليه عند حدوث حالة اشتباه. وتلجا الأجهزة الأمنية حاليا إلى أخذ العينات التي تحتوي على الحمض النووي من مسرح الجريمة أو الحادث وهي كما ذكرنا أي شيء من مخلفات المجرم والضحية حيث يتم تحليلها بإضافة مواد كيميائية محددة لإظهار وتقطيع الحمض النووي الموجود على الكروموزومات داخل نواة الخلية، ثم يتم تكبير المادة الوراثية والحمض النووي ملايين المرات بالطرق الحديثة المتوفرة الآن وتفرد على غشاء خاص لتظهر الخطوط والمسافات بينها بوضوح وتكون البصمة المحددة للشخص وبمثابة الهوية الوحيدة المعرفة به.
ومع التوسع الكبير في استخدام البصمة الوراثية للحمض النووي في العديد من القضايا أخذ الاهتمام بهذا الجانب يتطور بسرعة للحصول على أفضل النتائج في أقصر وقت، بحيث لا يتاح للمجرمين الفرصة للابتعاد كثيرا عن مسرح الجريمة أو الهروب، مع أن البصمة الوراثية لا تترك مجالا لعدم معرفة الجاني عند توفر قاعدة معلومات تحتوي على البصمات الوراثية للمشبوهين.
ومن القضايا التي وجدت حلولا شافية لها بواسطة البصمة الوراثية للحمض النووي قضايا التعرف على المجرم من خلال تحديد شخصية صاحب الدم في جرائم القتل، وصاحب المني والشعر والجلد في جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وصاحب اللعاب على بقايا المأكولات وأعقاب السجائر في جرائم السرقة، والموجودة على أغلفة الرسائل وطوابع البريد في جرائم التهديد والابتزاز والطرود الملغومة والاختطاف، كما يمكن استخدام الأسنان والعظام للتعرف على الأشخاص، ومن مجمل المخلفات التي ذكرناها يمكن التعرف على نوعية الجاني إن كان ذكرا أو أنثى، وهذا بحد ذاته يعتبر تحولا هاما في مجال الأدلة الجنائية وكشف الجرائم، إضافة إلى الاستفادة منه في تحديد شخصية المجرم حيث بدأ العلماء في دراسة إمكان تحديد طبيعة الشخصية وميولها وما يمكن أن يعانيه من اضطرابات من خلال التركيز على بعض الجوانب في تحليل الحمض النووي، وهذا يفتح الأبواب واسعة أمام تقدم علمي كبير في هذا المجال يساهم في تحقيق الأمن وتوفير السلامة في المجتمعات الإنسانية.
وعندما يتحدث البعض عن عيوب البصمة الوراثية فإنما يشيرون إلى أن ذلك يحدث عندما لا يكون التحليل دقيقا بالكامل، وعندما يتم فحص عينات مختلفة على طاولة واحدة في المعمل نفسه، أو عند تلوث العينة المأخوذة بسبب ما. في كل الأحوال لا يمكن الشك مطلقا في مدى نجاعة الاعتماد على الحمض النووي كوسيلة سليمة ومضمونة النتائج للوصول إلى حل للكثير من الجرائم المعقدة من خلال التعرف على شخصيات مرتكبيها والمجنى عليهم وأيضاً إلى معرفة أصحاب الجثث المتحللة ومجهولي الهوية.
فيا ترى ما هي تقنية الحمض النووي أو (DNA ) وما استخداماتها الجنائية لدى أجهزة الشرطة في العالم؟
الحمض الريبوزي النووي المنزوع الأوكسجين أو حمض الديوكسي ريبونيوكليك أو الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين أو كما يسمى في هذه المقالة دي ان ايه (DNA) بالإنجليزية والدِنا هو الحامض النووي الذي يحتوي على التعليمات الجينية التي تصف التطور البيولوجي للكائنات الحية ومعظم الفايروسات كما أنه يحوي التعليمات الوراثية اللازمة لأداء الوظائف الحيوية لكل الكائنات الحية.
يعتبر وسيلة التخزين الطويل الأجل للمعلومات الوراثية وهي الوظيفة الأساسية لجزيئات الدنا بالإضافة إلى أنه يمكن من خلال هذه الجزيئات الحصول على المعلومات اللازمة لبناء البروتينات والحمض النووي RNA). تسمى قطع الدنا (DNA) التي تحمل معلومات وراثية يمكن ترجمتها لبروتينات بالمورثات. تتواجد بعض قطع الدنا لأغراض تركيبية وتنظيمية.
كيميائياً؛ يعد الدنا عديد او وحدات البنائية (بوليمر) يتكون من وحدات بناء تسمى النيوكليوتيدات. وتتكون كل نيوكليوتيدة من ثلاثة جزيئات هي: سكر خماسي دي اوكسي ريبوز (سكر ريبوزي منقوص الأكسجين)، مجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينية ويتم اتصال جزيئات السكر والفوسفات بشكل متتابع لتكوين ما يعرف بهيكل سكر الفوسفات بحيث تتصل مجموعة الفوسفات بذرة الكربون 5 لسكر النيوكليوتيدة التي تتبع لها عن طريق رابطة تساهمية وبذرة الكربون 3 لسكر النيوكليوتيدة التالية عن طريق رابطة استيرية ويتم ارتباط القواعد النيتروجينية على هيكل سكر الفوسفات عن طريق ارتباطها بذرة الكربون 1 على جزيء السكر المقابل. و يعطي تتابع القواعد النيتروجينية على طول هيكل سكر الفوسفات في جزيء الدنا أكواداً أو شفرات يمكن من خلالها تحديد تتابع الأحماض الأمينية للبروتين المقابل ويتم ذلك كما يلي: يتم نسخ جزيء رنا مقابل لجزيء الدنا المحتوي على كود البروتين في عملية تسمي بعملية النسخ ويتم ترجمة الرماز إلى أحماض أمينية مقابلة خلال عملية الترجمة لتعطي البروتين المقابل. وليس بالضرورة أن تتم ترجمة الشفرات إلى بروتين إذ أن بعض جزيئات الرنا تدخل في تركيبات مثل الريبوسومات والاسيليسوسومات Spliceosomes.
ينتظم الدنا داخل الخلية في تركيبات تسمى الكروموسومات، والكروموسومات في مجموعها تكون ما يعرف بالجينيوم (المحتوى الجيني أو الصبغي للخلية). قبل انقسام الخلية تتضاعف الصبغيات فيما يعرف بتضاعف الدنا ويتم ذلك في كل من بدائيات النوى وفي حقيقيات النواة.
تـــاريخ الـ(دي أن أي):
تعود أول ملاحظة للدنا في العلم الحديث للطبيب السويسري فريدريك ميسشر في سنة 1869 عندما استطاع استخلاص مادة مجهرية من القيح واسمها نووين (نيوكلين) بسبب وجودها داخل النواة. وفي سنة 1929 استطاع فيبي ليفني من اكتشاف مكونات الوحدة الأساسية للدنا وهي النوويدات وبين أن الدنا ما هو إلا تكرار لهذه الوحدة.
في سنة 1943 أجرى اوزوالد افري تجربة بمزج بكتيريا نيموكوكس (الاسم العلمي: Pneumococcus ) ميتة وتحمل خاصية السطح الناعم مع بكتيريا حية من نفس النوع ولكنها ذات سطح خشن. نتائج التجربة كانت انتقال خاصية السطح الخشن إلى البكتيريا ذات السطح الناعم. وسمي الدنا بالعامل الناقل.
و في سنة 1953 وبالاعتماد على الصور السينية المأخوذة بواسطة روزاليند فرانكلين والمعلومات المتوفرة عن القواعد وطريقة ارتباطها ببعضها، طرح كل من جيمس واتسون وفرانسيس كريك نموذجهما (اللولبي المزدوج)و نشروا تجاربهم في مجلة الطبيعة. وفي سنة 1957 وضح كريك العقيدة الأساسية لعلم الأحياء الجزيئي ووضح العلاقة ما بين الدنا والرنا (RNA) والبروتينات. وبين كريك لاحقا أن الكودونات تتكون من 3 قواعد مما ساعد علماء آخرين على فك الشيفرة الوراثية وتحديد الكودونات المشفرة للأحماض الأمينية. وفي سنة 1958 أوضح العالمان ميليسون وستال طريقة تناسخ الدنا ووصفاها بالشبه محافظة. حصل واتسون وكريك وموريس على جائزة نوبيل في الطب لاكتشافاتهم في هذا الحقل في سنة 1962.
صورة لمكونات الدي أن أي:
الأحماض النووية هي التي تسبب الاختلاف بين البشر ، من حيث: الشكل، واللون. وقد تمكن قديما العالمان جيمس واتسون وفرنسيس كريك في منتصف القرن الـ 20 من اكتشاف الشكل الأساسي للحمض النووي DNA، والذي أدى إلى التعرف على الكثير من المعلومات حول كيفية تخزين وحفظ المعلومات الوراثية، وكيفية نقلها من جيل لاخر.
الفرق بين DNA و RNA
يتكون الإنسان من بلايين الخلايا المتراصة فوق بعض أو جنب إلى جنب. ولكل خلية نواه مملوءة بـ 46 كروموسوم،. يبدو هذا جميلاً ولكن ماذا في داخل هذه الكروموسومات وكيـف تحفظ المعلومات في داخلها ؟ . دعني أجيب على هذا السؤال. قد تكون قد سمعت عن الحمض النووي دي أن ايه ( DNA ). تخيل الدي إن أي مثل عقد من اللؤلؤ طوله بآلاف الأمتار ولكنك لا تراه بالعين المجردة ،انه أرق من خيط الملابس بـملايين المرات. هذا العقد الطويل ( DNA )يجدل ويطوى طياً محكما ويرص ويصف بشكل بديع ليصبح كروموسوما. لذلك الكروموسوم في الواقع عبارة عن خيط طويل ملتف من الحمض النووي ( DAN ) . وكما أن عقد اللؤلؤ الطبيعي يحتوي على حبات لؤلؤ مرصوصة على طوله ، فأيضا الحمض النووي ( DAN ) يحتوي على حبات مصفوفة على طوله تسمى مورثات أو جينات(مفرد مورث أو جين). يوجد 30000 مورثه موزعه على الـ 46 كروموسوم ( 30000 حبه لؤلؤ في كل العقود ). تحتوي هذه المورثات على وصفات ( كمقادير إعداد الطعام ) لتحضير جميع البروتينات بأنواعها. وكما ذكرنا سابقاً فالبروتينات هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل. في كل خلية من خلايا جسمنا نسختين من كل مورث، واحدة منها موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه من أمهاتنا والمورثة الأخرى موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه من آبائنا.وكما أن حبات اللؤلؤ مرصوصة على طول عقـد اللؤلؤ الطبيعي ، كذلك المورثـات كل واحدة منها لها مكانها الخاص والمحدد على طول الكروموسوم . تركيبة الدي ان اي( DNA) اخذ اسم الدي ان اي من الاحرف الاولى الحمض النووي المؤكسد باللغة الانجليزية (DeoxyriboNucleic Acid ) والاحماض النووية ( Nucleic Acid) مركبة من سلسلة متارصة من الحمض النووية المسماه النيوكليدات(Nucleotides ). وكل نيوكليديت يتركب من ثلاث قطع: فوسفات( Phosphate) و سكر( Sugar) و قاعدة نيتروجينية (Nitrogenous base ). وهذه النيوكليدات تصطف جنبا الى جنب لتكون سلك طويل و مترابط و ذلك عن طريق رابطة فوسفاتية تربط السكر الذي قبلها بالسطر الذي بعدها (و بالتحديد تربط الكربون رقم 5 في السكر الاول بالكربون رقم 3 في السكر الذي يليها). وهكذا ييستمر هذا الخيط الطويل من النيوكليدات. و الدي ان اي هو عبارة عن خيطين من من تلك النيوكليدات متلاصقين و مجدولين كما تجدل ضفيرة الشعر و ذلك بشكل محكم و دقيق و يحافظ على ذلك النظام الروابط التي بين هذه المركبات خاصة الروابط الفسفورية والروابط التي بين االقواعد النيتروجينية. ولذلك فانه يطلق على الدي ان اي سلسلة الدي ان اي(DNA CHAIN ) كما هو شائع بين المختصين السكر والقواعد النيتروجينية: هناك نوعان اساسيان من السكر الذي يتركب منه الاحماض النووية.
النوع الاول يسمى سكر الديوكسي ريبوز( DeoxyRibose) وهذا هو النوع الذي يدخل في تركيبة الدي ان اي.
والنوع الثاني يسمى بسكر الريبوز ( Ribose) و يدخل في تكوين الار ان اي (RNA ). و بينما تنقسم القواعد النيتروجينية الى خمسة انواع، ثلاثة منها تدخل في تكوين ال “دي ان اي” و “الار ان اي” بينما الرابع والخامس يدخل في تكوين الار ان اي او الدي ان اي لوحده. ويرمز لهذه القواعد النيتروجينية بالحرف الاول من اسمها الانجليزي كما هو مبين في الجدول التالي: DNA RNA Adenine Adenine Cytosine Cytosine Guanine Guanine Thymine Uracil و تلاحظ من الجدول السابق ان الثيامين ليوجد فقط في الدي ان اي بينما اليوراسيل يوجد فقط في الار ان اي.و لذلك و عند تكوين الار ان اي من ال اي ان اي فان الخلية تستبدل كل قاعدة نيتروجينية من نوع الثيامين بقاعدة نيتروجينية من نوع اليوراسيل. و تقسم القواعد النيتروجينية ايضا الى نوعين اساسيين:الاول يسمى بالبيورينات ( Purines ) و هي اكبر حجما من النوع الثاني و يدخل تحت هذا النوع الجوانين و السيتوسون.و النوع الثاني تسمى بالبيروديمنات ( pyrimidines ) و هي اسغر حجما من النوع الاول و يدخل تحتها السيتوسون و الثيامين و ايوراسيل و بما ان الدي ان اي عبارة عن خيط مزدوج فانه من البديهي ان لا يتقابل نوع واحد من القواعد النيتروجينية على طول تلك السلسلة.و لذلك فالخيط الاول لا تكون القواعد النيتروجينة متماثلة بالتي جوارها،و لكنها مختلفة و لكن هذا الاختلاف منتظم و محدد.فلذلك كل قاعدة نيتروجينية يقابها نوع معين من القواعد النيتروجينية و هذه القاعدة ثابتة و لا تتبدل اطلاقاً. القاعدة الاولى ترتبط بهذه القاعدة دائماً A T A U C G
المادة الوراثية DNA تلتف وتتراكم مكونة الكروموسوم الذي يحمل معلومات الشخص الوراثية
الأحماض النووية هي جزيئات مسؤولة عن تخزين وترجمة المعلومات الوراثية في الكائنات الحية. ويوجد منها نوعان، الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين “دي إن أي” (DNA)، والحمض النووي الرايبوزي “آر إن أي” (RNA). ويطلق على الحمض النووي اسم المادة الوراثية أيضا. ويوجد الحمض النووي “دي إن أي” في نواة الخلايا الحية، حيث يأخذ شكل سلم لولبي مزدوج مكون من شريطين، مشكلا الكروموسومات التي تحمل الصفات الجسمية والخَلقية للكائنات الحية. وتضم الكروموسومات ما يسمى بالجينات التي يحمل كل واحد أو مجموعة منها معلومات وراثية محددة. كما يوجد “دي إن أي” في عضيّة صغيرة في الخلية تسمى “الميتكوندريا” وهي مسؤولة عن توليد الطاقة. ويؤدي حدوث تشوه في المادة الوراثية -سواء في النواة أو الميتوكندريا- إلى إصابة الشخص أو أبنائه بأمراض قد تكون خطيرة. وتحتوي الخلايا الجسمية (خلايا العضلات والعظام والجلد.. إلخ) على 46 كروموسوما. أما الحيوانات المنوية لدى الرجل والبويضة لدى المرأة فتحتوي نصف هذا العدد، أي 23 كروموسوما. وعند تلقيح البويضة في رحم الأم تندمج الكروموسومات من الحيوان المنوي مع البويضة معطية 46 كروموسوما من جديد، وهذا يضمن أن يحصل الأبناء على صفات وراثية من الوالدين، كما يحافظ على ثبات كمية المادة الوراثية في الجسم. إذ يؤدي زيادة أو نقصان عدد الكروموسومات لدى الأبناء إلى مضاعفات خطيرة قد تصل للموت.
ويحمل الحمض النووي في البويضة المخصبة معلومات حول تطور الإنسان ووظائف خلاياه وأعضائه. وبعد تلقيحها تنقسم البويضة ملايين المرات بحيث تحتوي كل خلية وليدة نفس المادة الوراثية والمعلومات الجينية التي كانت في البويضة المخصبة. وبعد ذلك تأخذ كل خلية موقعا محدد وتبدأ بتفعيل الجزء من المادة الوراثية المتعلق فيها، فتفعّل (تترجم) الخلايا التي سيتصبح عضلات أجزاء معينة من الكروموسومات تختلف عن الخلايا التي ستتحول إلى بطانة المعدة مثلا.
أما الحمض النووي “آر إن أي” فهو يلعب دورا في عملية الترجمة السابقة، ويعطي إشارات تنبه الخلايا لإفراز وتصنيع البروتينات الملائمة لها، فالخلايا اللعابية تبدأ بتصنيع اللعاب، أما خلايا بيتا في البنكرياس فتصنع الإنسولين.
في 25 أبريل من كل عام يحتفل الأمريكيون باليوم الوطني للحمض النووي الديوكسي ريبوزي والمعروف اختصاراً بالـ”دي إن إيه” (DNA). و هو الاحتفال السنوي الذي يتم عادة لإحياء ذكرى اكتشاف بنية الحمض النووي. وقد بدأ الاحتفال بيوم الحمض النووي في عام 2003م، عندما تم الانتهاء من مشروع الجينوم البشري بعد مرور 50 عاماً على اكتشاف بنية الحمض النووي. و تم إقرار الاحتفال الرسمي بهذا اليوم بموجب قرار للكونجرس الأمريكي لتذكر أعظم الإسهامات العلمية في تاريخ البشرية حتى الآن. و جاء قرار الاحتفال بهذا اليوم تزامناً مع عدة احتفالات أقيمت في المحافل العلمية العالمية للاحتفال بالذكرى الخمسين لاكتشاف اللولب المزدوج في عام 2003م، و قامت بعض الدوريات العلمية بتخصيص أعداد كاملة للاحتفال بهذا العمل التاريخي. كما أصدرت دار سك العملات الملكية في بريطانيا قطعة نقدية جديدة ضمن الاحتفالات المقامة في الذكرى الخمسين لاكتشاف بنية الحمض النووي. و يمثِّل التصميم الخلفي لقطعة النقد الصادرة في فئة الجنيهين الإسترلينيين بنية جزيء “دي إن إيه” الفريدة، و قد وردت على طرفها عبارة “الحمض النووي الديوكسي ريبوزي”. كما طُرحت في السوق نسخ خاصة بأصحاب المجموعات مصنوعة من الفضة و الذهب، و نسخة مخصَّصة للتداول. و ما زاد روعة الاحتفالات في عام 2003م هو أن “جيمس واطسون” و”فرانسيس كريك” الحاصلين على جائزة نوبل للطب و الفسيولوجيا عام 1962م لإسهامهم في هذا الاكتشاف الكبير كانا لا يزالان على قيد الحياة و شاركا في هذه الفاعليات.
و الحمض النووي (DNA) أشبه ما يكون بورقة التعليمات التي تصاحب الآلات. يأتي فيها اسم أجزاء الآلة و وظيفتها، و آلية تركيبها و تفكيكها. و هو موجود داخل كل خلية من خلايا كل كائن حي، و به خريطة مفصّلة لكل صفاته التي يرثها منه أبناؤه. و يوافق هذا العام الذكرى الخمسين لاكتشاف اللولب المزدوج أو الحمض النووي (DNA). وقد بدأت أولى محاولات اكتشاف الحمض النووي (DNA) في عام 1928م عندما ظهر لأول مرة أن الحمض النووي هو مادة الوراثة، بعد تجربة شهيرة أجراها العالم “جريفيث”، و أشار فيها إلى أن هناك “مادة” يمكن أن تغير التركيب الوراثي للبكتريا. و تم التحقق من أن هذه المادة هي الحمض النووي “حمض نواة الخلية” عام 1944م بواسطة عالمين أمريكيين، هما “آفري” و”مكلويد”. ثم أجريت تجارب أخرى عديدة بعد ذلك، و أثبتت جميعها أن الحمض النووي الديوكسي ريبوزي هو الحمض الذي يحمل الصفات الوراثية التي تنسق جميع العمليات الحيوية في الخلية الحية.
و جاء الحدث التاريخي الأهم في عام 1953م عندما تم الإعلان عن اكتشاف التركيب الجزيئي للحمض النووي حيث وضع العالمان “جيمس واطسون” و”فرانسيس كريك” من مختبر “كافنديش” في جامعة “كامبردج” نموذجاً للحمض النووي يسمى بـ”اللولب المزدوج”، و نشر نبأ الاكتشاف في مقال علمي مقتضب، عرف رسمياً بأنه “رسالة” باسم “واطسون” و”كريك” في عدد مجلة “نيتشر” العلمية في 25 أبريل 1953م. و من الطريف أن “واطسون” و”كريك” لم يجريا أي تجربة عملية، و لم يحملا أنبوبة اختبار واحدة للتوصل لهذا الكشف المثير، و لكنهما وضعا نموذجهما استناداً إلى البيانات التي وفرها باحثون في مختبرات جامعة “كامبردج” على مدى 3 سنوات، و كان من أهمهم البروفيسور “موريس ولكنز” الذي استخدم الأشعة السينية (أشعة أكس) لدراسة و تحليل الحمض النووي، و ساعدته في ذلك الدكتورة “روزلندا فرانكلين” التي ساهمت في التقاط العديد من الصور للحمض النووي في عام 1952م. و كشفت هذه الصور النقاب عن التركيب الجزيئي للحمض النووي، و بنى “واطسون” و”كريك” نموذجهما للحمض النووي بعد أسبوعين فقط من الحصول على الصور. و باكتشافهما لحقيقة أن جزيئات الحامض النووي تكون تركيباً لولبياً مزدوجاً، يشابه السلم الملتوي، تبين كيف يمكن للحمض النووي أن ينسخ نفسه.
و بعد عامين من اكتشاف الـ”دي إن إيه” تحقق “آرثر كورنبرج” من إمكانات نسخ الحمض النووي لنفسه. و في عام 1960م تمكن مارشال “نيرنبرج” و”هار خولانا” و”سيفيرو أكوا” من التحقق من أن 3 أحرف من الأحرف الأربعة للحامض النووي تشكل رمزاً لأحماض أمينية.
و في السبعينيات تمكن العلماء من التعرف على حروف الحمض النووي، ثم تمكنوا من قطع و لصق أجزاء من الحمض النووي، ثم تمكنوا من نسخه بعد ذلك.
و في عام 1983م استطاع العالم الأمريكي “كاري موليس” أن يطور طريقة لاستنساخ آلاف النسخ من الحمض النووي و هو ما وضع أسس الهندسة الوراثية الحديثة. ثم توجت أبحاث العلماء في نهاية القرن العشرين بدراسة تتابعات الجينوم (كامل المحتوى الوراثي للكائن الحي)، و في منتصف عام 2000م تم فك ترميز جينوم الإنسان (الأطلس الوراثي البشري). و تم الانتهاء من النسخة الأولية من مشروع الجينوم البشري في أوائل عام 2001م، و صحب ذلك ضجة إعلامية كبيرة. و لاتزال في ذاكرة التاريخ الاحتفالية التي شهدها العالم يوم الاثنين 26 يونيو عام 2000م حين أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و رئيس وزراء بريطانيا عن الانتهاء من مسودة خريطة الجينوم البشري. و من ذلك التاريخ بدأ التنافس و السباق المحموم للمراكز العلمية و شركات التقنية الحيوية و الهندسة الوراثية على المستوى العالمي لاستخدام مخرجات الجينوم البشري لتشخيص الأمراض الوراثية و البحث عن عقاقير تعمل على مستوى الجينات و تركيبها.
و بحلول شهر سبتمبر عام 2007م، تم التعرف على التسلسل الكامل لجينوم 1879 فيروساً و577 نوعاً من البكتيريا و23 نوعاً من الكائنات حقيقية النواة تقريباً كان نصفها من الفطريات. و تم التعرف على تتابعات جينات خميرة الخبز و هي كائن نموذجي للخلية حقيقية النواة، و غيرها من الكائنات كذبابة الفاكهة و أسماك الزبرا و نبات الرشاد Arabidopsis thaliana الذي يستخدم لدراسة النباتات المزهرة. و في عام 2007م تم الإعلان عن انتهاء مشروع الجينوم البشري بواقع خطأ واحد في كل 20 ألف نيكلوتيده في كل الكروموسومات.
و يتألف جزيء الـ”دي إن إيه” من شريطين يلتفان حول بعضهما باتجاه عقارب الساعة، حول محور واحد أحدهما يتجه إلى أعلى و الآخر إلى أسفل، على هيئة سلم حلزوني مزدوج. و كل شريط عبارة عن خيط من وحدات كيماوية تسمى النيوكلتيدات. و النيوكلتيدات من أربعة أصناف لا تختلف إلا في نوع القاعدة النيتروجينية. و هذه القواعد النتروجينية هي: “الأدنين” Adenin ، و”الثايمين ” Thymine، و”السيتوسين ” Cytocine، و”الجوانين ” Guanin.
و تشكل هذه القواعد أزواجا فقاعدة “الأدنين” ترتبط دائما بـ”الثايمين”، بينما ترتبط “الجوانين” بـ”السيتوسين”. و تتوزع القواعد بالترتيب على اللولب المزدوج بحيث يوجد 10 أزواج فقط على كل دورة لولب مزدوج. و تشكل القواعد كلمات و جملاً وراثية تحفظ المعلومات الوراثية للكائن الحي من الإنبات إلى الممات، على هيئة جينات، و تتطابق كل مجموعة مؤلفة من ثلاثة أحرف مع حامض أميني واحد.
و لقد كشفت الدراسات الحديثة أن للولب المزدوج خصائص مذهلة، لا سيما في العلاقة بين التركيب و الوظيفة التي تؤكد أن التصميم الدقيق لهذا اللولب المزدوج المثير يشير بقوة إلى قدرة إبداع الخالق. فلك أن تعلم أنه إذا تم تمديد جديلة الـ”دي إن إيه” الموجودة في أي خلية من خلايا الإنسان فسيبلغ طولها مترين. و إذا وضعت جميع جزيئات الحمض النووي للجسم البشري سوية من نهايات أطرافها فإنها قد تصل إلى الشمس و ترتد أكثر من 600 مرة.
هناك ستة أقدام من الـ”دي إن إيه” في كل خلية من الخلايا البشرية موجودة في تركيب لا يتجاوز قطره 0.0004 من البوصة. و هناك 3.1 مليارات حرف من الـ”دي إن إيه” في كل خلية من الخلايا البشرية البالغ عددها 100 تريليون خلية.
يختزن الغرام الواحد من الـ”دي إن إيه” معلومات بقدر ما يختزنه ألف مليار قرص كومبيوتر، و يستطيع محلول الـ”دي إن إيه” أن ينجز 2 * 1910 عملية ربط بالجول الواحد في درجة حرارة الغرفة، علماً بأن أفضل الكمبيوترات الحالية ينجز 910 عملية فقط بالجول الواحد، و أن الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه ثرموديناميكياً هو 34 * 1910 عملية في الجول الواحد. و المعلومات الموجودة في الـ”دي إن إيه” يمكن أن تملأ مجموعة من الكتب يصل ارتفاعها إلى 60 متراً أو 200 دليل هاتف، كل واحد منها مؤلف من 500 صفحة.
يتألف البشر من عدد من الجينات يتراوح ما بين 26500 و30000 جين بشري، و هو عدد يقل عن التقديرات السابقة التي تراوحت بين 60 و140 ألف جين. و المثير أن عدد الجينات في جينوم نبات الخردل تتساوى تقريباً مع نفس عدد جينات الإنسان، كما أن خريطة الجينات للإنسان و للفئران تكاد تكون متقاربة تماماً. كما أكدت الدراسات أنه ليس هناك أي أساس علمي للطبقات العنصريّة حيث إن البشر متشابهون في حوالي 99.9% على مستوى الـ”دي إن إيه”.
والمتابع للأبحاث العلمية الجارية حالياً، سيجد ثورة في علوم الجينومات، و غيرها من العلوم المعتمدة على الحمض النووي الـ”دي إن إيه” و غيره من الأحماض النووية التي تم اكتشافها تباعاً. كما تتوالى الاكتشافات العلمية في هذا المجال الحيوي الذي أفرغت له كبرى المجلات العلمية العالمية حيزاً كبيراً من صفحاتها، فضلاً عن المجلات المتخصصة التي لا تعد و لا تحصى.
و في إبريل من العام الماضي تم نشر أول صورة للحمض النووي “دي إن إيه” بإستخدام الميكرسكوب الإليكتروني حيث إحتاج الأمر لخدعة تقنية لتصويره بشكل مباشر. و مؤخراً أعلنت إحدى الشركات عن فك تتابعات الـ”دي إن إيه” في ساعة واحدة فقط، مما سيكون له العديد من الآثار العلمية و يبشر بثورية طبية شاملة في مجالات التشخيص و العلاج. و تستمر الآثار المترتبة على اكتشاف أسرار اللولب المزدوج. و يعلم الله وحده إلى أين ستنتهي؟
جيمس واطسون وفرانسيس كريك مكتشفي تركيب الحمض النووي دي إن إيه عام 1953م. الأصل أبيض واسود،.
Search
News
رئيس الجامعة يجري زيارة تفقدية للقاعات الدراسية للاطلاع على سير العملية التعليمية.
اجرى رئيس جامعة الناصر الاستاذ الدكتور عبدالله ...جامعة الناصر تنظم وقفة تضامنية بعنوان ” ثابتون مع غزة.. ومستمرون في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي”
نظمت جامعة الناصر صباح اليوم الاربعاء الموافق 1...فريق كلية العلوم الادارية بطلاً للدوري الداخلي لكرة القدم بجامعة الناصر
تُوج فريق كلية العلوم الادارية والمالية بجامعة ...رئيس جامعة الناصر يلتقي الطلاب المشاركين في دورات طوفان الأقصى
الاحد 14 جماد ثاني 1446 هجرية الموافق 15 ديسمبر...إستمرار محاضرات دورات طوفان الأقصى لطلاب الجامعة وسط تفاعل كبير من الطلبة
إعلام الجامعة السبت , ١4 ديسمبر, 2024 استمرار ا...