الوضع الصحي للسكان في اليمن

Monday, 09 March 2015

د. نوال الزنداني

إن الوضع الصحي للسكان يتأثر بعدة عوامل ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وجغرافية وثقافية وسياسية,كما أن معدل وفيات الرضع والطفولة المبكرة والأمهات وتوقع الحياة عند الولادة وحجم القوى البشرية، وحجم قوة العمل، والإعالة والبطالة والأمية وغيره من العوامل تحدد الكينونة والصيرورة لأي مجتمع إنساني.

وتأسيسًا على ذلك فان قراءة الواقع الصحي في اليمن واستقراء المستقبل يتطلب التحليل لمؤشرات التنامي في المؤسسة الصحية خلال العقود الثلاثة الماضية وبعيدًا عن الخوض في التفاصيل الدقيقة والجدل حول ماهية ما حدث هل هو تنمية حقيقية ؟! أم نمو مرحلي ؟! هل كان نموًا متقطعًا أم موصولاً.؟! أم كان تنمية متعثرة متجذرة بالواقع تتمدد حينًا وتنكمش في أحيان أخرى؟! ومهما قيل أو سيقال فإن الحقائق تؤكد أن لا تنمية حقيقية إلا على قاعدة تنموية مادية وبشرية وتخطيط دقيق.. وطالما أن الإنسان هو الهدف من أي تنمية والوسيلة لكل عمل تنموي فإنه يجب بالضرورة أن يكون معافى في بدنه وعقله ومعارفه، إذ لا يجوز افتراض إنسانً أهلكه المرض والجوع والخوف أن يكون قادرًا على إدارة عجلة التنمية.. ولكن أين يقف الإنسان اليمني في سلم الرعاية الصحية ؟!

مما لاشك فيه أن الإنسان اليمني عبر حقب تاريخية طويلة عصفت به مشكلات صحية وإنسانية جسيمة وأمراض متوطنة فتاكة كالسل الرئوي – والتهاب الكبد الفيروسي – الجدري – الملاريا البلهارسيا والحميات- ..الخ, وحتى يومنا هذا تعتبر اليمن من الدول النامية التي فيها أكثر من 54% من السكان يعيشون تحت خط الفقر الذي يعد واحد من الاسباب الرئيسية لارتفاع معدل وفيات الاطفال و الامهات في اليمن .

لا يزال القطاع الصحي الحكومي يتحمل أكبر الأعباء الصحية وتتفاقم مشكلاته يومًا بعد يوم نظرًا لشحة موارده وتقادم منشآته وارتفاع كلفة التطبيب بالإضافة إلى ارتفاع الأعداد البشرية المحتاجة لهذه الخدمة.. أما القطاع الخاص الذي شهد تطورًا كبيرًا في العقد الاخير من الناحية الكمية خاصة في المدن الرئيسة فإنه لا يزال بحاجة للتشجيع الرسمي حتى يقف على قدميه حرصًا على المستثمرين في هذا المجال والرقابة الرسمية حرصًا على المريض الذي قد يصير ضحية لنشاط استثماري مفرغ من محتواه الإنساني، وإذا كانت وزارة الصحة في الآونة الأخيرة قد أدركت حجم مشكلة الإمكانات وبدأت في تطوير بعض المصادر المادية من خلال إسهام الجهد الشعبي والمساهمة في تكلفة الخدمة، فإن هذه التجربة بحاجة إلى الرعاية والمراقبة والتقييم المستمر مع التسليم أن للمساهمة المجتمعية أثرًا مهمًا وفاعلاً في استمرار الكثير من الخدمات الصحية في الآونة الأخيرة خاصة مع زيادة كلفة العلاج، تقادم الأجهزة الطبية، تدني مستويات الدخل، نقص المساعدات الخارجية، تضخم الأجهزة الإدارية، تدهور سعر العملة الوطنية، ضعف المؤسسات المهنية الرسمية وتهميش دور المؤسسات النقابية، إضافة إلى ذلك كله فقد تعرضت المؤسسة الصحية في اليمن إلى نكسات كبيرة ناجمة عن عدم تنفيذ الموازنة المخصصة للصحة أو عدم توفير العملات الأجنبية مما جعل هذه المؤسسة عاجزة عن توفير أهم الأصناف والتي تعتبر أبجديات العمل الطبي مثل – الخيوط الجراحية – شاش طبي – المطهرات – الأمصال – الإبر الميدانية – قرب الدم – المحاليل.. الخ. أما الكادر الطبي فقد بدأ هو الآخر يعاني من مشكلاته الإنسانية فهو يحرم من مزايا الحراك الوظيفي ولا يجد من الحوافز المادية والمعنوية.

وقد لوحظ انه ابتداء من عام 1990  زاد الطلب على الخدمة الطبية في المستشفيات الكبيرة التي تتوفر فيها إمكانات افضل، وكانت الزيادات الكمية على حساب الأداء النوعي. فمثلًا مستشفى الثورة العام بصنعاء تردد عليه في قسم الطوارئ العام  أكثر من 25568 بزيادة %30  عن الاعوام السابقة وفي قسم الطوارئ النساء 10461 بزيادة 12 % والعيادات الخارجية  404191 بزيادة 20 % .

لتوصل إلى تحسن نوعي في الحالة الصحية للسكان يجب على جميع المسئولين تكثيف العمل في مجال الرعاية الصحية الأولية، والتركيز على خدمات الأمومة والطفولة، والعمل على التحكم في أمراض الحمل والولادة والنفاس، والوقاية من أو السيطرة على الأمراض المعدية والمتوطنة، وتحسين الوضع التغذوي في المجتمع، وتوفير الماء النقي، وتحسين الظروف السكنية للأسر، وزيادة التغطية بالخدمات الصحية الأساسية للسكان يعتبر هدفًا استراتيجيًا ملزمًا.

إن للصحة تأثيرات مباشرة على النمو الاقتصادي والاجتماعي تتمثل بزيادة الإنتاج، فالأصحاء أكثر قدرة على الإنتاج في شتى الميادين، كما أن التحسن الصحي والغذائي من شأنه أن يزيل القصور العقلي والذهني عند الأطفال، ويجعل من الأجيال قوة قادرة على الدفع بعجلة التنمية قدمًا إلى الأمام.

TOP