طرق ووسائل دفاع المناعة الطبيعية

د.اروى عثمان

تناولنا في العدد السابق تعريف المناعة ومكونات الجهاز المناعي كما ذكرنا أن المناعة تنقسم إلى قسمين: مناعة طبيعية ومناعة مكتسبة. و سنتحدث في هذا العدد عن المناعة الطبيعية وكيف تقوم بالدفاع عن الجسم ضد الأجسام الغريبة.

المناعة الطبيعية: هي المناعة العامة غير المختصة بنوع محدد من الجراثيم ويطلق عليها أيضا المناعة غير النوعية وتوجد لدى كل الأشخاص ويبدأ عملها في مقاومة غزو الأجسام الغريبة والميكروبات الضارة منذ الولادة فهي تمد الجسم بدفاع سريع وفوري ضد أي ميكروب قد يدخل الجسم. من خصائص المناعة الطبيعية أنها لا تحتاج للتعرف الدقيق علي نوع الجسم الغريب وتعمل هذه المناعة بنفس الطريقة في كل مرة يتعرض فيها الجسم للمهاجمة بنفس الميكروب. وهذا النوع من المناعة ليس لها ذاكرة مناعية. غير أن المناعة الطبيعية تلعب دورا هاما في تحفيز وتنشيط المناعة المكتسبة. ففي حال دخول ميكروب إلى الجسم تقوم المناعة الطبيعية بإرسال إشارات لتنشط خلايا المناعة المكتسبة. هذه الإشارات لها أهمية بالغة في تحديد نوع الاستجابة المناعية المكتسبة كما سنرى إنشاء الله في أعداد قادمة.

للمناعة الطبيعية خطوط دفاعية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة خطوط

الخط الدفاعي الأول للمناعة الطبيعية:-
-1 الحواجز الميكانيكية (Mechanical barriers):
ا- الجلد :(skin) الجلد السليم الخالي من الخدوش أو الجروح يعتبر حاجز قوي يعيق دخول الأحياء الدقيقة والأجسام الغريبة. فالجلد يعمل كغلاف واقي للجسم ويعتبر الجلد خط الدفاع الأول في جسم العائل لوقايته من الإصابة.

ب- الأغشية المخاطية (Mucus membranes): وتوجد في كل أعضاء الجسم التي لها اتصال خارجي، مثل الجهاز الهضمي، التنفسي و التناسلي وهذه الأغشية تفرز مخاط يمنع التصاق الأجسام الغريبة والجراثيم بخلايا تلك الأعضاء. و تختلف الأغشية المخاطية عن الجلد بأنها تتكون من طبقة واحدة سمكها خليه واحدة بعكس الجلد الذي يتكون من عدة طبقات خلوية. ونظرا لوجود اختلافات جوهرية في طرق الدفاع في الأغشية المخاطية عن طرق الدفاع في بقية أجزاء الجسم فقد أعطيت اعتبارات خاصة وأطلق عليها بـ Mucusal immune system.
ج- الخلايا ذات الأهداب (ciliated epithelial cells) : كالتي تتواجد في الجهاز التنفسي تقوم بحجز وإخراج الجراثيم والجزيئات الصلبة العالقة بالطبقة المخاطية بواسطة حركة الأهداب (Cilia)  .
2- الحواجز الكيميائية (Chemical barriers) عند فوهة الدخول:- وتشمل الإفرازات الدهنية والعرقية والحامض المعدي والإنزيمات الهاضمة.

3- الفلورا الجرثومية (Normal flora): وتوجد على سطح الجلد والجهاز الهضمي والجزء العلوي للجهاز التنفسي والجزء السفلي للقناة البولية التناسلية وهي تقوم بتثبيط نمو البكتيريا الضارة إما بواسطة إفراز مواد سامة مثل الكوليسين (Colicins) أو تنافسها على الغذاء والمكان. ويبلغ عدد الفلورا الجرثومية التي توجد فقط في الأمعاء 10¹⁴ بكتيريا.

الخط الدفاعي الثاني للمناعة الطبيعية

وتشمل العوامل القاتلة للميكروبات في المصل وسوائل الجسم وهي على قسمين:

ا- المركبات الكيميائية وتضم:

1- الإنترفيرونات (Interferons, IFNs): وتلعب دورا هاما في الدفاع ضد الفيروسات. تفرزها الخلايا المصابة بالفيروس وتعمل على حماية الخلايا المجاورة من الإصابة بالفيروس (أي الخلايا الأخرى الغير مصابة بالفيروس) من خلال منع تكاثر الفيروس داخل الخلية عن طريق منع تصنيع الـ أرأن أي الفيروسي (Viral RNA). وإذا كان بإمكان أي خلية مصابة بالفيروس تصنيع الإنترفيرونات فهناك نوع معين من الخلايا المناعية الطبيعية متخصصة في إنتاج الإنترفيرونات تسمى بـ (Plasmocytoid dendritic cells) والتي يبلغ إنتاجها في الإصابات الفيروسية 1000 ضعف إنتاج الخلايا الأخرى. وتقسم الإنترفيرونات إلى نوعين هما النوع الأول والنوع الثاني.

• انترفيرونات النوع الأول (Type 1 interferons): تشمل انترفيرون ألفا (IFN-α) وانترفيرون بيتا (IFN-β) وتستخدم في علاج فيروس الكبد C الذي ليس له لقاح حتى الآن. وانترفيرونلت النوع الأول تزيد من كفاءة الخلايا الطبيعية القاتلة (Natural killer cells) والخلايا التائية القاتلة (Cytotoxic T cells) وهذه الخلايا تدافع أيضا ضد الفيروسات. فهناك تعاون كبير بين الانتيرفيرونات والخلايا المهاجمة للفيروسات.
• انترفيرونات النوع الثاني (Type 2 interferons): عبارة عن انترفيرون جاما (IFN-γ) ويسمى أيضا بالانترفيرون المناعي ويفرز بشكل رئيسي من الخلايا التائية. ودورة الأساسي يتمثل في التنظيم المناعي وسنتحدث عن هذا الانترفيرون مع المناعة المكتسبة.

2- الإنزيمات المضادة للميكروبات (Antimicrobial enzymes): مثل إنزيم الليسوزيام (Lysozyme) والتي تقوم بتكسير طبقة الببتيدوجلايكان (Peptidoglycan) الموجودة في جدار خلية البكتيريا موجبة الجرام في حين أن البكتيريا سالبة الجرام تكون محمية من تأثير الـ lysozyme بفعل الغلاف الخارجي الذي يغطي طبقة الـ Peptidoglycan. وهذا الإنزيم يوجد في العديد من إفرازات الجسم مثل الدموع واللعاب كما يوجد في حبيبات الخلايا البالعة (Phagocytic cells).

3- المضادات الببتيدية (Antimicrobial peptides): وهي ببتيدات موجبة الشحنة مثل الـ defensins. تقوم هذه المضادات مباشرة بتحليل أغشية الخلايا التي لا تحتوي في تركيبيتها على الكولسترول كأغشية خلايا البكتيريا (الموجبة أو السالبة)، الفطريات، الطفيليات و بعض الفيروسات.

4- بروتينات الطور الحاد (Acute phase proteins): هي مجموعة من البروتينات تصنع بشكل رئيسي في الكبد مثل الـ-antitripsin-α1  وC-reactive protein . هذه البروتينات ترتفع نسبتها بشكل حاد في المصل عند حدوث التهابات حادة (Acute inflammations) أو ضرر بالأنسجة لأي سبب كان كالإصابة بالجراثيم (Infections) .  ويطلب فحص الـ CRP كمؤشر لوجود التهابات بالجسم دون أن يحدد هذا الفحص نوع العامل المسبب للالتهاب لذلك فإن فحص الـ CRP هو Non-specific test. تزيد خلايا الكبد من إنتاج بروتينات الطور الحاد استجابتا لتأثير بعض أنواع الانترلوكينات (Interleukins, IL) مثل الـ (IL-1, IL-6) والتي تفرزها خلايا الـ Macrophages الموجودة في مكان الإصابة. بروتينات الطور الحاد لا تقوم مباشرة بقتل الميكروب ولكنها تسهل عملية ابتلاعه بواسطة الـ  Phagocytic cells أو تحليله بواسطة الجهاز المكمل (Complement system).

 5- الجهاز المكمل (أو المتمم)  (Complement system):وهو من أهم وسائل دفاع المناعة الطبيعية  ويتكون من أكثر من 30 بروتين (توجد في البلازما) و تعمل معا بشكل منظم لتقتل الجراثيم المتواجدة خارج الخلايا (Intracellular pathogens) من دون حدوث إضرار كبيرة بخلايا الجسم. وينشط الجهاز المكمل بثلاث طرق مختلفة هي:

Classical pathway (المسار التقليدي): وهذا المسار يحتاج لوجود أجسام مضادة من نوع (IgM, IgG) ويبدأ بتنشيط الـ C1.

Alternative pathway (المسار البديل): لايحتاج إلى أجسام مضادة وفيه يتم مباشرة تنشيط الـ C3

Lectin pathway: كالمسار البديل لايحتاج لوجود أجسام مضادة ويبدأ بارتباط بروتين سكر المانوز (Manose-binding lectin) بكربوهيدرات الميكروب التي تحتوي على سكر المانوز.

عندما يترافق تنشيط C3 مع C1 فهذا دليل إنه قد تم التنشيط عن طريق المسار التقليدي، أما عندما يكون مستوى C1’ C2 and C4 طبيعي (أي لم يتم تنشيطها) فهذا يعني أن التنشيط قد تم عن طريق المسار البديل.

نزل المقال من هنا